دعوا دعوةً كوكبيةً.
الدعاء: الرغبة إلى الله تعالى دعا له وعليه يدعو دعاء والمرة منه دعوة. والكوكبية: قرية كان أهلها ظلمهم عامل فدعوا عليه دعوة فمات عقبها فضرب المثل بذلك.
ومما يشبه هذا ما حكاه صاحب المدخل أنَّ قرية من أعمال السودان كان أهلها إذا ولى عليهم سلطان عاملا فانبسط عليهم دعوا فهلك. فلما أعيا السلطان أمرهم وتحير قام إليه بعض الحاضرين فقال: أنا ألي عليهم! فولاه السلطان بعد أن عرفه بكنه الأمر. فذهب ذلك الوالي فغصب ملحا واستصحبه معه ولم يكن في بلد السودان الملح. فلما بلغ موضع عمله قعد في المسجد ولم يصعد إلى موضع الأمير. فقالوا له: ألا تصعد إلى موضعك? فقال: إنما جئت على أن أكون واحدا منكم وأباشركم ولا أصدر إلاّ عن رأيكم أو كما قال. وبقى على ذلك حتى أعجبهم وحسنوا به الظن. فتمارض حينئذ فسألوه عن موجب مرضه فقال لهم: موجب المرض فقد الملح. فقالوا: نأتيك بالملح. فقال: لا أعرف أصله وإنَّ عندي ملحا بالبلد أعرف جهته وأصله فلعله يكون فيه الشفاء. فإن أردتم أن أرسل من يأتي به وإلاّ فلا. فأذنوا له فأرسل إليه حتى بلغه ففرقه عليهم على وجه التبرك. فلما علم أنهم قد أكلوه قام إليهم ومد اليد إليهم وطلع إلى موضع الولاية حينئذ. وكان قبل يخشى من دعائهم لاقتياتهم الحلال الصرف. فلما دخل أجوافهم ذلك الملح علم أنَّ دعاءهم لا يسمع عليه وكان في القوم رجلان تفطنا لذلك فلم يأكلا ملحهما. فلما ظهر أمره أتياه بما عندهما لم يفسد شيئا منه. فلما علم أنهما قد بقيا هرب خوفا منهما.
ومثل هذا حكي عن الحجاج لمّا دخل العراق واليا وكانوا لا يلي عليهم أحد ويظلمهم إلاّ دعوا فهلك. فلما خاف الحجاج من دعائهم طلب منهم أن يأتوه كلهم ببيضة بيضة لحاجة ذكرها وقعد على الصحن. فكل من أتى ببيضة أمره أن يطرحها في الصحن. فاستخفوا البيض منه وفعلوا ما أمرهم. فلما اجتمع البيض واختلط أمرهم أن يأخذ كل واحد بيضة وأراهم أنه قد بدا له في ذلك ورجع عما أراد. فأخذ كل واحد بيضة من البيض ولا يدري عين بيضته. فلما علم الحجاج أنهم تصرفوا في ذلك مد يده إليهم فدعوا عليه فمنعوا الإجابة. قال رحمه الله تعالى: ولأجل هذا كثرت المظالم وكثر الدعاء على فاعلها وقلت الإجابة أو عدمت.
دفن البنات من المكرمات.
الدفن معروف؛ والبنات جمع بنت؛ والمكرمة فعل الكرم.
وهذا المثل مشهور ومثله المثل الآخر: نعم الصهر القبر! وقال الشاعر مضمنا المثل:
القبر أخفى سترةٍ لـلـبـنـات | ودفنها يروى من المكرمـات | |
أما رأيت اللـه عـز اسـمـه | قد وضع النعش بجنب البنات! |
أحب بنـيتـي وأود أنـي | دفنت بنيتي في قعر لحدِ |
وفي الدار خافي صبيةٌ قد تركتـهـم | يطلبون إطلال الفراخ من الوكـرِ | |
جنيت على روحي بروحي جـنـايةً | فأثقلت ظهري بالذي خف من ظهرِ |
دقك بالمنحاز حبَّ القلقلِ.
الدق معروف. والمحاز بالحاء المهملة وبالزاي الهاون وهو المهراس. ونحزت الشيء: دققته. والقلقل بقافين مكسورين على مثل زبرج: نبن له حب اسود اصلب ما يكون من الحبوب حسن الشم. قال أبو النجم:
وآضتِ البهمى كنبل الصقيل | وطارت الريح يبيس القلقلِ |
دقوا بينهم عطر منشمٍ.
الدق مر؛ والعطر بالكسر معروف؛ ومنشم على مثال مجلس وعلى مثال مقعد قيل ويروى أيضاً مشئم بالهمز؛ ومن شم مفصولة. واختلف في معناه: فقيل منشم اسم الشر؛ وقيل المنشم يكون في سنبل العطر يسمى قرون السنان وهو سم ساعة. وقيل منشم اسم امرأة. واختلف في اشتقاقه أيضاً: فقيل منشم وضِع وضع الأعلام؛ وقيل مشتق من قولهم: نشم في الشيء إذا بدأ وأخذ فيه ويستعمل في الشر. وقيل هو مركب من اسم وفعل والأصل من شم على أنَّ شم فعل ماض من شم الرائحة وهو صلة من. ثم وصل وحذف الميم الثانية من الفعل وجعل الأعراب على الأولى. وعلى رواية مشأم فهو من الشؤم. واختلف أيضاً في سبب المثل ومعناه: فقيل إنَّ منشم اسم امرأة وهي بنت الوجيه وكانت عطارة بمكة. وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا الحرب تطيبوا من طيبها فكثرت القتلى فجعلوا يقولون: أشئم من عطر منشم.
وقيل كانوا إذا أرادوا الحرب غمسوا أيديهم في طيبها وتحالفوا أن يستميتوا في الحرب ولا يولوا. فكانوا إذا دخلوا الحرب بطيب تلك المرأة يقول الناس: دقوا بينهم عطر منشم. فلما كثر منهم هذا القول صار مثلا للشر العظيم. قال زهير:
تداركتما عبسا وذبيان بعد مـا | تفانوا ودقوا بينهم عطر منشمِ |
وقيل إنَّ سبب المثل قتال يوم حليمة الذي قيل فيه: ما يوم حليمة بس. وكانت فيه الحرب بين الحارث بن أبي شمر ملك الشام وبين المنذر بن المنذر بن امرئ القيس ملك العراق. وأخرجت حليمة إلى المعركة مراكن الطيب فكانت تطيب الداخلين في الحرب فقاتلوا من أجل ذلك حتى تفانوا. وسيأتي شرح هذه القصة.