إذا هتف العصفور طار فؤاده |
| وليثٌ حديد الناب عند الثرائدِ |
و هذا الشعر هجا به أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد. فقال عبد الملك بن مروان يوما لأمية هذا: مالك ولحرثان بن عمرو إذ يقول فيك: إذا هتف العصفور "البيت"? فقال: يا أمير المؤمنين وجب عليه حدّثني فأقمته عليه. فقال: هلا درأت بالشبهات عنه? فقال: كان حده أبين وكان زعمه علي أهون. فقال عبد الملك: يا بني أمية! أحسابكم أنسابكم لا تعرضوها للجهال: فإنه باق ما بقي الدهر والله ما يسرني أني هجيت بهذا البيت وأن لي ما طلعت عليه الشمس: تبيتون في المشتى ملئ بطونكم |
| وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا |
و ما يبالي من مدح بهذين البيتين إلاّ يمدح بغيرهما: هنالك إن يستخبلوا المال يخـبـلـوا |
| وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا |
على مكثريهم رزق من يعتـريهـم |
| وعند المقلين السمـاحة والـبـذلُ |
قلت: وهذان البيتان لزهير وقبلهما: إذا السنة الشهباء بالناس أجحـفـت |
| ونال كرام المال في الجحرة الأكلُ |
رأيت ذوي الحاجات حول بيتـهـم |
| قطينا بها حتى إذا نبت الـبـقـلُ |
هنـالـــك "الـــبـــيت" |
وبعده وفيهم مقاماتٌ حسانٌ وجوههم |
| وأنديةٌ ينتابها القول والفعلُ |
على مكثريهم "البيت" قوله: إن يستخبلوا، الاستخبال أن يستعير الرجل من آخر إبلا يحلبها ويشرب ألبانها فإذا أخصب ردها. وأنكر بعضهم هذا اللفظ وقال: لعله قال يستخولوا والاستخوال يملكها إياه.ألا خلني أذهب لشـأنـي ولا أكـن |
| على النـاس كـلا إنَّ ذا لـشـديدُ |
أرى الضرب في البلاد يغني معاشرا |
| ولم أر من يجدي علـيه قـعـودُ |
أتمنعني خوف المـنـايا ولـم أكـن |
| لأهرب مما ليس عنـه مـحـيدُ? |
فدعني أجول في البلاد لـعـلـنـي |
| أسر صديقـاً أو يسـاء حـسـودُ |
فلو كنت ذا مالٍ لقرب مجـلـسـي |
| وقيل إذا أخـطـأت أنـت سـديدُ |
و سياتي ما قيل في هذا المعنى بعد إن شاء الله تعالى وقال كلثوم بن عمرو: إنَّ الكريم ليخفي عنك عسرتـه |
| حتى تراه غنياً وهو مجهـودُ |
وللبخيل على أموالـه عـلـلٌ |
| زرق العيون عليها أوجهٌ سودُ |
و كان كلثوم هذا كتب إلى صديق له: أما بعد أطال الله بقاءك وجعله يمتد بك إلى رضوانه والجنة! فإنك كنت عندنا روضة من رياض الكرم تبتهج النفوس لها وتستريح القلوب إليها. وكنا نعفيها من النجعة استتماما لزهرتها وشفقة على خضرتها وادخارا لثمرتها حتى اصابها سنة كانت عندي قطعة من سني يوسف واشتد علينا كدها وغابت عنا فضلها وكذبتنا غيومها وأخلفتنا بروقها وفقدنا صالح الإخوان فيها فانتجعتك وأنا بانتجاعي إياك شديد الشفقة عليك مع علمي بأنك نعم موضع الزاد وأنك نغطي عين الحاسد. والله يعلم أني ما أعدك إلاّ في حومة الأهل. وأعلم أنَّ الكريم إذا استحيا من إعطاء القليل ولم يحضره الكثير لم يعرف جوده ولم تظهر همته. وأنا أقول في ذلك: ظل اليسار إلى العباس ممدود |
| وقلبه أبداً بالمحل مـمـدودُ |
إن الكريم . . الخ قيل: فشاطره ماله حتى أعطاه إحدى نعليه ونصف قيمة خاتمه.تجمعتم من كل أوب ووجـهةٍ |
| على واحدٍ لا زلتم قرن واحدِ |
وقال أبو مسلم الخرساني: أدركت بالحزم والكتمان ما عجزت |
| عنه ملوك بني مروان إذ حشدوا |
ما زلت أسعى بجدي في دمارهـم |
| والقوم في غفلة الأيام قد رقـدوا |
حتى ضربتهم بالسيف فانتبـهـوا |
| من نومةٍ لم ينمها قبلـهـم أحـدِ |
ومن رعى غنما في أرض مسبعةٍ |
| ونام عنها تولى رعيهـا الأسـدُ |
وقال الآخر: وأكرم نفسي إن أهنها لأنـهـا |
| وحقك لم تكرم على أحدٍ بعدي |
حدث الأصمعي قال: مررت في بعض سكك الكوفة فإذا رجل خرج من حش على كتفه جرة وهو يقول: وأكرم نفسي "البيت". قال: فقلت له: أبمثل هذا تكرمها? قال: نعم! وأستغني عن مسألة مثلك. فصاح: يا أصمعي! فالتفت فقال: يا أيها الأخوان أوصـيكـم |
| وصية الوالد والـوالـدة |
لا تنقلوا الأقـدام إلاّ إلـى |
| من ترتجي من عنده فائدة |
إما لعلم تـسـتـفـيدونـه |
| أو لكريم عنـده مـائدة! |
وروي عن الأصمعي قال: لقيني أبو عمرو بن العلاء وأنا ماشٍ في بعض أزقة البصرة فقال: إلى أين يا أصمعي? قلت: لزيارة بعض إخواني. فقال: يا أصمعي إن كان لفائدة أو لمائدة وإلاّ فلا! وقال الآخر: ولمّا رأيت الدهر أنحت صـروفـه |
| علي وأوهت بالذخائر والـعـقـد |
حذفت فصول العيش حتى رددتهـا |
| إلى القوت خوفاً أن أجاء إلى أحد |
وقلت لنفسي: أبشري وتـوكـلـي |
| على قاسم الأرزاق والواحد الصمد |
فإلا تكـن عـنـدي دراهـم جـمةٌ |
| فعندي بحول الله ما شئت من جلد |
وقال الآخر: إن يحسدوني فإنـي غـير لائمـهـم: |
| قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا |
فدام لي ولهـم مـا بـي ومـا بـهـم |
| ومات أكثرنا عـيطـاً بـمـا يجـدُ |
أنا الذي يجدونـي فـي صـدورهـم |
| لا أرتقي صـدرا مـنـهـا ولا أردُ |
وقال أبو نواس: قد كنت عدتي التي أسطو بهـا |
| ويدي إذا أشتد الزمان وساعدي |
فرميت منك بضد ما أمـلـتـه |
| والماء يشرق بالزلال البـاردِ |